التصعيد الحوثي الأخير.. قراءة في العقلية المليشياوية للهروب من السلام ومأزق الغضب الشعبي
تواصل مليشيا الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران تصعيدها العسكري والميداني في عدد من المناطق اليمنية، في تحرك يعكس تحولاً استراتيجياً في سلوك الجماعة من سياسة “ضبط الداخل بالقمع” إلى “تصدير الأزمة عبر التصعيد”.
ويبدو أن الجماعة، التي تواجه مأزقاً متفاقمًا في مناطق سيطرتها، تسعى عبر التصعيد إلى إعادة خلط الأوراق سياسياً وعسكرياً، للهروب من استحقاقات السلام ومطالب الشارع المتصاعدة بدفع الرواتب وتحسين الخدمات.
تصعيد جديد
في جبهة الضالع (وسط البلاد)، شهدت خطوط التماس، مساء الأحد، مواجهات عنيفة بين القوات المشتركة والمليشيا الحوثية أسفرت عن استشهاد الجندي في القوات المشتركة محمد عبد الحميد الكاش.
وقالت مصادر ميدانية لوكالة خبر، إن مجاميع حوثية حاولت التسلل إلى مواقع القوات المشتركة غرب قعطبة، غير أن الأخيرة تصدت لها بقوة، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات أسفرت عن خسائر فادحة في صفوف المليشيا.
توقيت هذه المواجهات وموقعها الجغرافي لا يبدوان عشوائيين، فالضالع تمثل ورقة ضغط سياسية بالنسبة للمليشيا تسعى من خلالها لإرسال رسائل ميدانية إلى التحالف العربي.
تحشيد منظَّم
تتزامن المواجهات الميدانية مع تحركات حوثية منظمة على مستوى التحشيد القبلي والتعبئة في مناطق دمت والحشا وقعطبة بالضالع، وتمتد إلى مديريات النادرة والسدة في إب.
وتشير مصادر عسكرية واستخباراتية إلى أن المليشيا كثّفت خلال الأسابيع الأخيرة عمليات الاستقطاب والتحشيد للشباب، تحت لافتات "الوفاء للشهداء" و"الاستعداد للمعركة الكبرى"، في تحرك اعتبرته المصادر نية واضحة لإعادة تنشيط الجبهات وسط وجنوب البلاد كوسيلة ضغط استباقي على مسار التهدئة الإقليمية.
ويعتبر مراقبون أن هذه التعبئة ليست تحركاً تكتيكياً محدوداً، بل جزء من خطة استراتيجية متعددة المستويات، هدفها إعادة التوازن النفسي للجماعة أمام جمهورها الداخلي الغاضب، واستثمار التوتر الإقليمي لإعادة تدوير خطاب "المواجهة مع العدوان".
مأزق الداخل
تعيش المليشيا الحوثية منذ أسابيع أزمة داخلية خانقة بعد تصاعد موجة الغضب الشعبي ضدها، إثر استمرار انقطاع رواتب الموظفين الحكوميين لأكثر من ثماني سنوات، وتدهور الخدمات وانهيار الاقتصاد في مناطق سيطرتها.
وقد تحوّل الغضب الاجتماعي إلى احتجاجات غير مسبوقة قادها فنانون ومؤثرون وشخصيات اجتماعية على منصات التواصل، وواجهتها الجماعة بحملات قمع واختطافات، متهمة المحتجين بـ"العمالة للخارج" و"خدمة العدوان".
ويقرأ محللون هذه السلوكيات باعتبارها مؤشراً على مأزق شرعية يواجه الجماعة، إذ لم تعد الذرائع القديمة كـ"العدوان الخارجي" قادرة على امتصاص نقمة الشارع، ولذلك، تسعى المليشيا إلى نقل المعركة إلى الخارج عبر افتعال توترات ميدانية تتيح لها التغطية على الفشل الإداري والاقتصادي.
خطاب الهروب والعداء
في مواجهة هذا الضغط، لجأ زعيم المليشيا عبدالملك الحوثي وقيادات الصف الأول إلى التصعيد اللفظي ضد الإمارات والسعودية، متوعدين باستهداف مراكز حساسة فيهما إذا لم تتحملا -خصوصاً الأخيرة- مسؤولية دفع رواتب الموظفين اليمنيين.
محللون قالوا لوكالة خبر، إن هذا الخطاب –الذي يجمع بين الابتزاز السياسي والمغامرة العسكرية– يكشف أن المليشيا لم تعد تراهن على تسوية سياسية بقدر ما تراهن على توتر إقليمي يعيد لها دوراً تفاوضياً فقدته منذ أشهر.
ويرى المحللون أن تهديدات مليشيا الحوثي تمثل محاولة للهروب من الداخل عبر الخارج، أي تصدير الأزمة الاقتصادية إلى ساحة الصراع الإقليمي، في محاولة لكسب ورقة تفاوض جديدة أمام الرياض والمجتمع الدولي.
فشل جديد بلغة التعنت
ورغم الاتصالات التي جرت مؤخراً في سلطنة عُمان بين وفد مليشيا الحوثي والمبعوث الأممي هانس غروندبرغ، إلا أن اللقاء انتهى دون نتائج ملموسة.
فقد اشترط الحوثيون دفع المرتبات والإشراف الدولي على تصدير النفط وإعادة الإعمار قبل أي حديث عن إنهاء الانقلاب أو تقاسم السلطة، وهو ما يعد انعكاساً لمنهجية المساومة بالملف الإنساني واستخدامه كورقة ضغط سياسية.
وبحسب المحللين، فإن هذا الموقف يؤكد أن الجماعة لا تزال تراهن على الوقت، وتستخدم التهدئة كغطاء مؤقت لتثبيت سلطتها داخلياً، بينما تُعد ميدانياً لجولات صراع قادمة.
مغامرة محفوفة بالسقوط
في التحليل النهائي للمشهد، يبدو أن التصعيد الحوثي في الضالع، والتحركات الموازية في جبهات الشمال والغرب والوسط، ليست سوى جزء من معادلة هروب شاملة، تتمثل في الهروب من الغضب الشعبي، والهروب من التزامات السلام، والهروب من اختبار الحكم وإدارة الدولة.
لكن هذه الاستراتيجية، برأي المراقبين، تحمل في طياتها مخاطر السقوط الذاتي، إذ إن فتح جبهات جديدة في ظل ضعف القاعدة الاجتماعية للجماعة وتدهور الوضع الاقتصادي سيقود إلى تآكل مشروعها الداخلي وتزايد الانقسام داخل صفوفها.
كما أن مغامرة تهديد السعودية والإمارات تُعدّ في ميزان السياسة الإقليمية خياراً انتحارياً لا تملك مليشيا الحوثي ترف المضي فيه، لكنها تكشف بوضوح حجم المأزق الذي وصلت إليه الجماعة في محاولتها البقاء على قيد التأثير.