المتحف المصري الكبير.. رواية التاريخ
منذ أن أزاح هذا الصرح العظيم ستاره عن نفسه في أفق الجيزة، لم يعد الأمر يتعلق بمجرد افتتاح معلم ثقافي، بل صار حدثاً عالمياً نرصد أصداءه ونتابع تفاصيله بعين المراقب المخضرم.
نحن، من وراء شاشات المتابعة ومنصات الرصد الإعلامي، نشهد ميلاد رواية التاريخ تُروى للعالم بأسلوب لم يسبق له مثيل، حيث تنتقل مصر من كونها مهد الحضارة إلى معلمها الأكبر وراويها الأكثر بلاغة في القرن الحادي والعشرين.
إن نظرتنا كمتابعين وصحفيين متعمقين تتجاوز حدود الحجر والزجاج، لنتوقف عند الحصافة الاستراتيجية التي صُمم بها هذا المتحف.
إنه ليس مجرد مستودع للآثار، بل هو جهاز إرسال ثقافي ضخم، يمتلك القدرة على تجميع كنوز الماضي وإعادة تقديمها بذكاء بصري وتقني يخاطب حساسية العصر الحديث وذوقه الرفيع.
نرى بوضوح كيف أن كل زاوية، وكل إضاءة، وكل مساحة فارغة، قد صيغت بعناية فائقة لتلائم عدسة الكاميرا العالمية وتُبهر الصحافة الدولية، ليصبح العرض المتحفي بحد ذاته عملاً فنياً قائماً بذاته، ينقل الإرث الثقيل إلى فضاء الوعي العالمي بخفة ووهج.
وتكمن ذروة هذا المخطط الإعلامي المحكم في العرض المتكامل لكنوز توت عنخ آمون. بالنسبة لنا، كمتابعين، فإن جمع هذه المجموعة الأسطورية لأول مرة في مكان واحد لم يكن مجرد إنجاز ترميمي، بل كان بمثابة بيان ثقافي استثنائي؛ خطوة احترافية ضخمة تضمن لمصر احتكاراً مشروعاً، للحديث عن التاريخ لسنوات قادمة.
كمهتمين ومتابعين وإعلاميين رصدنا ردود الأفعال العالمية التي تتهافت على تحليل هذا التجسيد الكامل لقصة الطفل الذهبي، ونلمس كيف أن هذا السرد الموحد يرسخ في الذاكرة الجمعية أن التاريخ العظيم ليس مجرد تواريخ وأسماء، بل هو تفاصيل حميمية تُعرض برؤية معاصرة.
إن المتحف المصري الكبير، في جوهره وتقديمه، هو شهادة على أن قوة الأمم لا تُقاس بما تملكه من ماض فحسب، بل بكيفية صناعتها للحاضر واستشرافها للمستقبل من خلال ذلك الماضي.
إنه ليس مجرد استعراض للإنجاز، بل هو مشروع استراتيجي ذكي، يرفع سقف التنافسية الثقافية عالمياً. لندرك تماماً أن هذه الرواية التي تُفتتح أبوابها الآن ليست غاية في حد ذاتها، بل هي وسيلة بالغة التأثير تهدف إلى تأكيد مكانة مصر كعاصمة للتاريخ والإبداع، وكمصدر لا ينضب للحكمة والإلهام للعالم أجمع.